مخاطر الحرب الإقليمية تتصاعد- دوافع أمريكية ثيوبوليتيكية ولوبيات متحدة.

المؤلف: كمال أوزتورك11.19.2025
مخاطر الحرب الإقليمية تتصاعد- دوافع أمريكية ثيوبوليتيكية ولوبيات متحدة.

إثر الهجوم الذي استهدف القاعدة الأمريكية في الأردن، تصاعدت وتيرة المخاوف بشأن اندلاع حرب إقليمية شاملة، وبدأ القلق يتسلل إلى النفوس. اسمحوا لي أن أوضح الأسباب الكامنة وراء هذا الخوف المتزايد.

فور وقوع الهجوم، بدأت الأصوات المتعطشة لضربة أمريكية قاصمة لإيران بالضغط بكل ثقلها على إدارة بايدن. سارع أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ، على غرار ليندسي جراهام وجون كورنين، إلى إصدار تصريحات علنية مدوية عبر منصات التواصل الاجتماعي، مطالبين بـ "ضرب إيران، واستهداف طهران تحديدًا". لم تستطع إدارة بايدن مقاومة هذا الضغط الهائل، فبعد مضي فترة وجيزة لا تتعدى الساعة أو الساعتين على الهجوم، أصدرت بيانًا رسميًا مكتوبًا، حملت فيه إيران المسؤولية الكاملة، وأعلنت عن نيتها الرد بكل حزم وقوة.

أعتقد جازمًا أن إدارة بايدن ترزح تحت وطأة ضغوط هائلة من قبل هذين المعسكرين اللذين يسعيان جاهدين لإشعال فتيل الحرب مع إيران.

السياسة ليست واقعية، بل ثيوقراطية

أرى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد انحرفت عن مسار الواقعية منذ أمد بعيد، وأن تحركاتها تتسم باللاعقلانية والتهور. والسبب في ذلك يكمن في فقدان الدولة الأمريكية لعقلها الاستراتيجي الرصين، وأسلوب التفكير الاستراتيجي العميق، والسلوك السياسي الرشيد الذي طالما عُرفت به.

على سبيل المثال، عندما مهد أوباما الطريق أمام إيران، أعلن ترامب على الفور أنها عدو لدود. وعلى الرغم من الاعتراضات التركية الشديدة، فتحت أمريكا ذراعيها لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وأنشأت هناك جيشًا مدججًا بالسلاح. كما أنها عارضت جميع الدول الإسلامية قاطبة من خلال افتتاح سفارة لها في القدس المحتلة.

وأخيرًا، أشعلت نار العداء ضد أمريكا في جميع أصقاع العالم من خلال دعمها المطلق وغير المشروط لحرب الإبادة الجماعية غير المسبوقة التي ترتكبها إسرائيل. هذه الأفعال لا تتماشى إطلاقًا مع نمط السياسة الواقعية المعهودة.

فلماذا إذًا تتصرف أمريكا على هذا النحو؟

السبب الجوهري هو تبني أمريكا لسياسة "ثيوقراطية" منذ فترة طويلة. فقد تمكنت المجموعة الدينية الإنجيلية المسيحية المتطرفة من تنظيم صفوفها بقوة داخل أروقة البنتاغون ووزارة الخارجية والبيت الأبيض. ويُلاحظ بوضوح هيمنة هذه المجموعة على مراكز اتخاذ القرارات المصيرية في بيروقراطية الدولة الأمريكية وعالم الأعمال. كما تربط المجموعات الإنجيلية علاقة وثيقة وقوية بالجناح الصهيوني المتطرف من اليهود على الصعيد الديني.

في الوقت الراهن، يصب تركيز الإنجيليين والصهاينة على تحقيق هدف واحد مشترك، ألا وهو ضمان أمن إسرائيل، وتطبيق نظريات القيامة الشاذة، وتحقيق يوتوبيا الأراضي الموعودة المزعومة. وبالنسبة لهم، من الضروري للغاية أن تبقى أمريكا متمركزة في المنطقة، وأن تُزال من طريقها كل دولة تشكل تهديدًا لتأسيس "دولتهم الموعودة" ووجود إسرائيل. وستخدم الحرب ضد إيران هذه الأوساط المتطرفة في خلق جو من الفوضى العارمة يمكن أن يحقق أحلامهم الخبيثة.

لوبي الأسلحة في غاية الحماس

لا يخفى على أحد الدور المحوري والفاعل الذي يلعبه لوبي الأسلحة، الذي يُعد من أقوى اللوبيات في أمريكا، والذي يمتلك نفوذًا هائلاً على وسائل الإعلام والاقتصاد. وهنا لا ننسى أن الـ 65 ألف طن من القنابل الفتاكة التي أُلقيت على غزة، والأسلحة المتطورة بقيمة 21 مليار دولار التي أُرسلت إلى أوكرانيا، قد خرجت من ترسانة الجيش الأمريكي. ولا شك أن الجيش الأمريكي سيعمل على تعويض مخازنه المفرغة، وهذا يعني تجارة هائلة ومربحة للشركات العملاقة التي تنتج الأسلحة للجيش الأمريكي.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمع ازدياد حدة التوترات في المنطقة، يعمد تجار الأسلحة إلى بيع كميات هائلة من الأسلحة المتطورة للدول المتواجدة في تلك المنطقة الملتهبة؛ حيث ارتفعت صادرات الأسلحة الأمريكية بنسبة مذهلة بلغت 49 بالمئة في العامين الأخيرين.

وفي ظل هذه الظروف، يمثل دخول أمريكا في نزاع مسلح مع دولة كبيرة بحجم إيران في منطقة الشرق الأوسط فرصة ذهبية لم تتح للوبي الأسلحة منذ سنوات طويلة.

المصالح تتحد والخطر يتزايد

لقد توحدت مصالح اللوبي اليهودي المتطرف، والمجموعات الإنجيلية المتطرفة، ولوبي الأسلحة الجشع في خضم حرب إسرائيل – غزة، مما أدى إلى نشوء وضع بالغ الخطورة والتهديد. ومن المتوقع أن ترد الولايات المتحدة على الهجوم الذي استهدف قاعدتها في الأردن بضرب الجماعات المسلحة القريبة من إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان. هذا هو التحليل السياسي العقلاني والمنطقي.

ولكن يجب علينا أن نضع في الحسبان السيناريو الأسوأ في مكان يغيب فيه العقل الرشيد، ويتم فيه التحرك بدوافع ثيوقراطية بحتة، ويضم أطرافًا نافذة من الدولة الأمريكية وأعضاء بارزين في مجلس الشيوخ ووسائل الإعلام المؤثرة وعالم الأعمال الجشع.

إن توجيه الولايات المتحدة ضربة عسكرية لإيران يعني بالضرورة انخراط إسرائيل في أتون الحرب. وإذا ما انخرطت إسرائيل في الحرب، فإن حكومة نتنياهو المتطرفة ستعمل على تعزيز موقعها، وستزيد الولايات المتحدة من تواجدها العسكري المكثف في المنطقة. أما الدول العربية، فمن المستبعد أن تشارك في الحرب بسبب كراهيتها الشديدة لإيران، مما سيؤدي إلى إلحاق أضرار جسيمة بإيران.

إسرائيل تفكر في هذا التوقع البسيط، لكنها لا تأخذ في الاعتبار ما قد تفعله الصين وروسيا في هذا الوضع الحساس. فإذا كانت الولايات المتحدة تستخدم أوكرانيا لإضعاف روسيا، فلماذا لا تستخدم روسيا والصين إيران لإضعاف الولايات المتحدة؟ في هذه الحالة، ستكون إسرائيل من بين الدول التي ستتلقى أكبر الأضرار والخسائر.

أعتقد جازمًا أن خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة يتزايد باضطراد، وصراحةً، أخشى على منطقتنا من مغبة هذا التصعيد الخطير.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة